الدار البيضاء
***
.....لقد
اعتدنا ربط تاريخ جهة الدار البيضاء الكبرى بالعصر الحديث، وخاصة بالفترة
ما بعد الاستعمار. لكن الدار البيضاء لم تعرف إشعاعها الوطني بوصفها قطبا
اقتصاديا مهما في النسيج الاقتصادي إلا في منتصف القرن العشرين. مما يعكس
أنها مدينة مغرقة في القدم، حيث إن ناحيتها كانت منذ أزمنة غابرة ميدانا
خصبا لحياة حيوانية ثم إنسانية مبكرة، فقد كشفت الأبحاث الأثرية عن مواقع
سكنها الإنسان القديم، مما يجعل جهة الدار البيضاء مركزا من أهم المراكز
المعروفة عالميا في مجال البحث الأثري، وقد أطلق من أجل التمييز على
الإنسان الذي سكنها اسم إنسان سيدي عبد الرحمان.
ومن أهم المواقع الأثرية التي تضمها المدينة:
• موقع ليساسفة يتراوح تاريخه ما بين 5 و 6 ملايين سنة.
• موقع أهل الغلام يعود تاريخه إلى حوالي مليونين وخمسمائة ألف
سنة، وقد وجدت بهذا الموقع بقايا حيوان الهيباريون، وهو جد
الحصان الحالي.
• مواقع أولاد حميدة تتضمن مواقع عديدة من أهمها:
- موقع طوما 1 والذي يشهد على بداية استيطان الإنسان للمنطقة منذ حوالي مليون سنة.
- موقع سيدي عبد الرحمان ينتمي لنهاية العصر الحجري.
الدار البيضاء عبر التاريخ
أنف
أو أناف أو انفي... تسميات مختلفة وردت في المصادر التاريخية القديمة
للإشارة إلى الحاضرة التي ظهرت في المكان الحالي للدار البيضاء. وينسبها
ابن الوزان (ليون الإفريقي) إلى الرومان، كما ينسبها آخرون إلى
الفينيقيين. ولكن غالب المؤرخين يذهبون إلى أن مؤسسيها هم البرابرة
الزناتيون. وقد اشتهرت آنفا لحقبة من الزمان بعلمائها وجنودها وتجارتها
المزدهرة.
وبقيت أنف خلال حكم المرينيين مدينة صغيرة مفتوحة على
التجارة البحرية مع الخارج لاسيما مع الإسبان والبرتغال. كما كان سكانها
بحارة يمارسون القرصنة ويهاجمون بصفة خاصة السفن البرتغالية. مما أثار
حفيظة البرتغاليين الذين نظموا هجوما على المدينة وقاموا بتدميرها عن
آخرها سنة 1486.
وقد حاول البرتغاليون سنة 1515 بناء قلعة محصنة، لكن هزيمتهم على يد المرينيين جعلتهم يتخلون عن ذلك.
ويبدو أن أنف قد اندثرت بدون أن تترك أي أثر سوى ضريح سيدي علال القيرواني بوصفه شاهدا على حضارة مشرقة.
وفي
عهد الدولة العلوية إبان حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757-1790)
أعيد بناء المدينة، وأصبحت تحمل اسم الدار البيضاء أو كازابلانك حسب النعت
الإسباني. وبفضل الضرائب المفروضة على قبائل الشاوية استطاع السلطان سيدي
محمد بن عبد الله بناء قلعة محصنة لاستقرار الجنود، والتي أصبحت فيما بعد
الوجهة المفضلة لقبائل الشاوية ودكالة.
وحوالي سنة 1830 أخذت التجارة
بالدار البيضاء تعرف نموا، والتي ستزدهر في عهد السلطان العلوي مولاي
الحسن الأول حيث غدت هذه المدينة تستقطب العديد من التجار والحرفيين من
مناطق عديدة، وخاصة من مدينتي فاس ومراكش.
وفي سنة 1912 تم إنشاء أول
ميناء بمقاييس عصرية بالمغرب من طرف الحماية الفرنسية، والذي يمثل منعطفا
تاريخيا سيكون له التأثير البليغ على مستقبل المدينة اقتصاديا واجتماعيا
وثقافيا...، حيث سيجعل منها مدينة عصرية وعاصمة اقتصادية.