بسم الله الرحمن الرحيم
إن الواقع الذي نعاني منه اليوم أيها الإخوة واقع مرير من عدة نواحٍ فمن جهة فإن الأعداء يخططون ليس للإجازات فقط؛ بل يخططون لإتلاف شبابنا وتدميرهم في كل وقت، ومن ضمن تخطيطهم استغلال الإجازات في مزيد من التدمير للعنصر الشبابي في هذه الأمة، فمثلا نجدهم يخططون للحفلات التي يستقبلون فيها الشباب لتدمير أخلاقهم ودينهم ونشر المخدرات والفساد فيما بينهم، وقد تجد من صحفنا و مجلاتنا ونشراتنا من يساعدهم على ذلك.
وقد اطلعت على إحدى صحفنا المحلية وقد نشرت إعلانا بالخط العريض عن حفلة سوف تقام في إحدى الدول المجاورة لفنانين معروفين، وهذه الحفلة حفلة مختلطة بين قوسين (للعائلات) يعنى يدخلها الشباب والفتيات، الرجال والنساء على حد سواء تعرفون طبعا كلكم لا يوجد هناك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد لتنظم الأمر أو تمنع أو تأذن فالقضية مفتوحة على مصراعيها، فإذا كان حفلاً للعائلات لكل واحد منا أن يتصور ماذا سيجري؟ هم يخططون ويسهلون، ما عليك إلا أن تتصل بالهاتف لتحجز وتسافر مع تخفيض التذاكر ومع الخدمات المتوفرة بأشكال مختلفة. يخططون بإقامة المخيمات التي تستقبل شبابنا بحجة أنها تدرب الشباب على الأعمال، على المهارات، على اللغة الإنجليزية مثلاً، على دروس التة، تستقبل الطلاب الراسبين بصور شتى وحقيقتها أنها تريد أن تستغل هذا الشاب لتوفر له جوّاً من الفساد والانحلال بعيداً عن رقابة الأبوين والمجتمع، بعيداً عن المؤثرات الطيبة الموجودة في مجتمعه.
الأعداء يخططون، حتى إن أجهزة التنصير التي تدعو إلى الديانة النصرانية ويقوم عليها الفاتيكان تبذل أموالاً طائلة لتنصير أبناء المسلمين، يستغلون المباريات الرياضية لنشر الدعايات ونشر الوسائل المختلفة التي تدعو إلى النصرانية، أو على الأقل تربط الشباب بمؤسسات تنصيرية؛ فيستغلون هذا الجمع الغفير فيها للدعوة إلى الديانة النصرانية، ونشر بعض الأوراق والكتب والنشرات والبرامج التي تدعو إلى دينهم، بل الأدهى من ذلك وأمر أنهم يستغلون صناديق البريد لمراسلة الشباب، وقد رأيت صوراً يبعثون بها إلى بعض الشباب حيث يدعونهم إلى ممارسة الحرية والاشتراك في أندية ومؤسسات وأجهزة موجودة في بلادهم تمنح الشاب حق الفساد والانحلال، وترسل إليه الصور الخليعة والأفلام المنحلة والأشرطة السيئة، وتمكنهم من ممارسة الرذيلة بكل وسيلة.
فضلا عن تلك المجلات التي تخصص زوايا وصفحات خاصة لما يسمونه بـ"التعارف"، وضمن التعارف ترسم أو تنشر صور فتيات وأسماء فتيات في أنحاء بلاد العالم وخاصة العالم الإ سلامي، وتجد كثيراً من الشباب مع الأسف بسذاجة وبلاهة يراسلون ويكتبون ويقيمون علاقات، وقد يكون كثير من هذه البؤر وهذه الفتيات وهذه المؤسسات؛ هي مصايد لاصطياد الشباب وتجنيدهم ليكونوا جواسيس، أو إيقاعهم في شباك المخدرات أو استغلالهم ليسيئوا إلى بلادهم وأوطانهم قبل أن يسيئوا إلى دينهم وإلى أنفسهم، لكنّ كثيراً من شبابنا فيهم بلاهة وسذاجة وغفلة، ويظنون أن ذلك مجرد ترفيه، كأس خمر وامرأة وأغنية وسيجارة، يظنون الأمر يتوقف عند هذا الحد ولا يدركون ما وراء الأكمة.
أما أجهزتنا التي يفترض فيها أن تقوم بدور مضاد؛ فإن الواقع أنها أحسن ما يقال فيها أنها تتناقض، ففي الوقت الذي تجد أن المسجد فيه يبني، ورواد المساجد هم من خيار الناس -بحمد الله- يصلون الجمعة والجماعة ويحضرون الدروس والمحاضرات؛ ويشاركون في حلقات العلم ودروس القرآن الكريم والمكتبات الخيرية هم بلا شك على خير إجمالا؛ لكن هذا الجهد الذي يُبذل في المساجد توجد أجهزة أخرى تعمل على هدمه.
فإن الشاب إذا بنى حلقة من إيمانه أوسلسلة من يقينه في المسجد؛ فإن ذلك تهدمه الأغنية الخليعة والمشهد الفاجر والصورة العارية وتهدمه أجهزة الرياضة، وقد تهدمه المدرسة أحيانا إذا وجد في المدرسة من لا يحسن تربية الشباب؛ بل مع الأسف قد يهدمه البيت، فكم من شاب يشتكي من بيته وأبويه.
إذاً هناك وسائل كثيرة تهدم ما يبنيه المسجد أو ما تبنيه وسائل التربية الأخرى، ولذلك كانت المحصلة النهائية هي أننا وجدنا كثيراً من شباب الأمة يعيشون حالة من التناقض والتذبذب، تجد له وجهين: فيه خير وفيه شر، فيه إيمان وفيه نفاق، فيه تقوى وفيه فجور، فيه حب للخير ولكن فيه ميل للهوى والشر؛ ولذلك أذكر لكم نموذجاً أو مشهداً يعدّ نتيجة لمثل هذا، ولا أقول إن هذا نموذج غالب أو أعممه؛ لكنني أقول إنه نموذج لشباب لم يتربوا التربية الصحيحة فصاروا ضحية هذا التناقض.
خلال فترة الامتحان السابقة كنت أتجول بين الطلبة فلفت نظري ماصة من ماصات الطلاب ، وكالعادة الطلاب يملؤون ماصاتهم بالكتابات، كتابات غير هادفة؛ بل ساذجة ليس فيها شيء، وبعضها أصبحت مثل السبورة، فيها ألوان وأشكال وصور ورسوم فلفتت نظري وأحببت أن أتعرف على عقلية هذا الشاب الذي يدرس على هذه الماصة من خلال ما يكتب، فإن هذه الكتابات التي أمامي في اعتقادي أنها تمثل عقله وتربيته ومستواه الخلقي والفكري والتربوي، فماذا وجدت في طاولة هذا الذي يدرس في كلية شرعية؟ في أعلى الماصة رسم هذا الشاب قلبا قد طعنه بسهم، وهذا تعبير عن الحب والغرام والغزل الذي يتحدث عنه السفهاء من شباب الشوارع، وتحت هذا القلب كلمة الحب عذاب، وهذه أيضاً من كلمات الشوارع التي لا يستغرب أن تجدها مثلاً في شارع مكتوبة أو في مكان سيئ، لكن أن توجد في مكان كهذا فهذا مؤشر خطير وتحت هذه الكلمة تجد شعارات رياضية يعيش فريق كذا ويسقط فريق كذا وفريق كذا بطل العالم، وفريق كذا بطل الشرق الأوسط وفريق كذا وهلم جرا ، وفي زاوية أخرى تجد مقطعا من أغنية .
فإذا كان هذا الطالب في مستوى كلية شرعية، إذاً ما بالك بطالب الثانوي أو المتوسط؟! هذه عينة من ثمرة الشباب الذين لم يوفقوا بأن يتربوا في مسجد أو في حلقة علم، في درس قرآن أو في مركز صيفي على يد أستاذ أو شيخ أو معلم ناضج، إنما وقعوا ضحية النوادي، الكرة، أجهزة الإعلام، أصدقاء السوء؛ فكانت النهاية هي هذه الاهتمامات المتخلفة والعقليات المنحط