هند صبري

هند صبري و حيرة مصير بين السينما و المحاماة

استطاع برنامج «الشقة» للممثلة هند صبري الذي يعاد بثه هذه الايام على احدى القنوات الفضائية أن يتفوّق على برامج شبيهة، حشدت لها الامكانات الضخمة كذلك، برامج استعانت بنجوم الصف الاوّل. ويبدو أن المشاهد سئم وجود الاسماء وتكرارها في معظم البرامج الشبيهة، لذا صوّب وجهته نحو برنامج «الشقة» ليشاهد النجمة التونسية هند صبري لأوّل وآخر مرة مذيعة على احدى الفضائيات.
ورغم أنّ احدى المجلات النسائية العربية واسعة الانتشار قد أنقصت في احدى مقالاتها الصادرة مؤخرا من قيمة وطرافة البرنامج فانّ مجلة نسائية اماراتية أخرى تكتب أن «فكرة البرنامج جديدة لم يتم تقديمها مسبّقا، حيث تتم استضافة النجوم في شقة بمفردهم، يغلق عليهم بابها، ويصلهم صوت مقدّمة البرنامج وصاحبة الفكرة، الممثلة التونسية هند صبري من غرفة التحكم... ومن خلال تنقل الضيف بين أكثر من مكان في الشقة، يتعرّف المشاهد الى جوانب عديدة من اهتماماته ومن حياته الشخصية ويقترب من الجانب الانساني للضيف.
وتواصل النشرية وصف البرنامج لتبيّن أنّ «عوامل النجاح لا تتمثل في الفكرة المبتكرة، أو الضيوف الذين لم يصبحوا بعد «ماركة مسجّلة» للمقابلات واللقاءات التلفزيونية، ومعظمهم من النجوم الشباب، ولكن لبساطة هند صبري الشديدة في الظهور، وأسلوبها في الجوار الذي تحوّله الى حديث عادي تستطيع من خلاله أن تغوص في الضيف وتدفعه الى مبادلتها أطراف الحديث من دون تشنج أؤ افتعال، يساعدها في الوصول الى ذلك الهدف، أنّ الضيف يبدو وكأنه يتحدث الى نفسه وهو يتوجه الى الكاميرا من دن أي عنصر بشري...».
وتختم النشرية تعليقها بأنّ «هند صبري ليست اعلاميّة، ولكن يبدو أنها فهمت من خلال المقابلات التي تجريها، ما الذي يريده النجم بالتحديد من خلال المقابلات، فقدّمت له ما يريده».
وفي الواقع فانّ كل مشاهد عربي وخاصة من التونسيين الذين عرفوا وتابعوا مسيرة هند صبري وحاوروها، ولنتذكر مقابلتها الاولى مع «الصحافة» التي أجراها معها صاحب هذه السطور، يلتمس ليس فقط «لباقتها وهدوئها واحترامها ضيفها ممّا أهّلها للنجاح في دور مذيعة». كما تؤكد زهرة الخليج.
وان كنّا في جريدة «الصحافة» (الملحق) أكّدنا بانفراد هذا النجاح ساعة بثّ البرنامج ومنذ حلقاته الاولى فانّ ذلك ليس بالكثير على هذه الفتاة المبدعة التونسية ذات السبع وعشرون ربيعا ومن مواليد برج العقرب وهو الذي ان يمنح لمواليده حبّ الفن فانّه يميّزهم بتقديسهم للحرية وعشقهما لها. كيف يمكن فهم ذلك بالنسبة لهند صبري؟.
المتأمّل في المسيرة السينمائية للفنانة التونسية هند صبري يلمس هذا التعلّق لديها باحترامها للمسافة التي تضعها احدى بطلات شريط «صمت القصور» لمفيدة التلاتلي مع مهنة الفن السابع. فبعد أن كانت انطلاقتها تحت أضواء السينما من الباب الكبير وذلك بعد حادثة ستعيدها هند صبري في أحاديثها الصحفية المطوّلة والعميقة مثلما نقلها الكاتب السينمائي هادي خليل في مؤلفه الهام : «المسيرة والأثر: شهادات ووثائق عن السينما التونسية» أو في لقاء مع الاعلامي العربي البارز قصي صالح درويش المقيم في باريس نشرته مجلة سينما، عدد أيلول 2004 : «كنت تلميذة في الرابعة أو الخامسة متوسطة، لا أذكر، وصادف أن كنت في وليمة مع أبويّ، أبي صديق لنوري بوزيد وكانا يلتقيان من حين الى آخر، وقد التقيا في ذلك المساء. وطلب منه نوري بوزيد اذا كنت ابنته «شكلها يليق بالسينما، بالمناسبة لدي صديقة اسمها مفيدة التلاتلي تنجز أول فيلم لها، وهي بحاجة الى فتاة في عمر ابنتك، وهي حاليا تقيم كاستينغ لاختيار بطلتها»... وهكذا التقيت مفيدة، ودام الكاستينغ سنة كاملة لأنها كانت مترددة بيني وبين فتاة أخرى، الا أن والد الفتاة رفض رفضا قاطعا. ولكوني شكلت الخيار الثاني لمفيدة، فقد أصبحت بطلة فيلم «صمت القصور». الخلاصة هي الصدفة. أما ثاني وثالث ورابع فيلم فخاضعين للصدفة أيضا. أنا لم أقم بكاستينغ في حياتي ولا أعرف ما هو بالضبط هكذا بدأت هند صبري مسيرتها في السينما. لكنها هي لا تحلم كثيرا في هذا المجال. تحبّ أن يكون عندها نوع من الحظّ. بدأت كأفضل ما يكون في «صمت القصور» ثم عرض عليها الذهاب الى مصر فدخلتها مصحوبة بفكرة ورثتها منذ أن كانت تحلم مع غارسيا ماركيز في طفولتها: «ماذا سيكون الغد؟» منحت لنفسها كفنانة ترفض الانحباس وتكسّر قيود شركات الانتاج فرصة للتأمّل. فتوقفت لفترة تأمّل صيف 2004، لتسافر الى باريس حيث يعمل والدها كمحام ويواصل دراساته وهو كهل في مجال القانون. ولعل هند صبري التي عشقت مع أبيها الذي كان يوقضها في ساعة متأخرة من الليل لتشاهد معه أفلام فيليني وخاصة «آرما كورد» الذي تعشقه لحدّ الآن وأفلام لويس مال في شريطه المحبوب لدى هند «الصغيرة»، عاد اليها شيطان المحاماة في ذلك الثوب الاسود. سنرى ذلك.
توقفت هند صبري لأنها والى اليوم وهي التي ترتدي «الروب» الخاص بالمحاماة لا تعتبر السينما مهنة : «ربما اضطررت لاتخاذها كمهنة في وقت ما، لأنّ احترافها كهواية أمر غير ممكن. يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نحترفها كهواية في سن مبكّرة جدّا، كما حدث بالنسبة لي، أي من 14 الى 24 أو في عمر متأخر جدّا، أي أن يكون لنا الترف المادي والمعنوي أوّلا لاختيار ما نريد فعله دون أن نضطرّ للعمل الشديد. ولكن في وقت ما من العمر علينا أن نعتبرها كحرفة. وهذا ما أنا عاجزة على فعله...».
ولكن ها انّ الفنانة هند صبري، وبعد أن تطمئن لارادتها بأن «أتخذ قرار امتهان السينما كحرفة حقيقية»، تعود لتعدل عن رأيها لتحصل أخيرا على اعتمادها ضمن هيئة المحامين التونسيين. فهل هي مشاعر التعلق بالأب ولا نقول «عقدة ألكترا» التي تصنع مواقف وتوجهات هند صبري من السينما في مرحلة الطفولة الى المحاماة؟.
صورة الأب، حلم السينما
فها أنّ هند صبري تنحت في وقت قياسي أي 13 سنة من العمل السينمائي مسيرة زاهرة، انطلقت مع مخرجين تونسيين مهمين من مختلف الاجيال والجنس : مفيدة التلاتلي في «صمت القصور» و«موسم الرجال». النوري بوزيد في «عرائس الطين»، «الكتبيّة» مع نوفل صاحب الطابع وفيلم قصير «ليلة من شهر يوليو» لرجاء عمار وفرنسيين صوّروا في تونس «الخروف الاسود» مع الممثلة الفرنسية ذائعة الصيت ميشال لاروك وقريبا مع المخرج التونسي رضا الباهي في فيلمه القادم عن الراحل «براندو» والتونسي المقيم في بلجيكا محمود بن محمود ضمن فيلم «Penterila» وهي جزيرة قرب تونس، لتختطفها بكل حبّ ماكينة السينما المصرية ضمن «الافلام الاولى التي تحب كثيرا الـعمل فـيها مـثل أحـمد فــي فــيـلم «إزّاي البنات بتحبّك» وهالة خليل في فيلمها «أحلى الاوقات» وسعد هنداوي في «حالة حبّ» وخاصة مع مفيدة التلاتلي في «صمت القصور» أحبّت هند هذه الافلام الاولى لأنها تتضمن شحنة من التفاؤل وكثيرا من البراءة...
ولكن رغم هذه الافلام الكثيرة والتي تلتها سلسلة اخرى من الافلام بعد فترة التأمل الثانية في حياة هند صبري بعد الفترة الاولى في تونس، لا تعتقد هند صبري ولا تصدّق أنها «ممثلة ترسّخت». لذلك وغيره عادت هند صبري لتظهر من جديد في ثوب المذيعة وهي التي أكّدت عنها للصحافة العربية «بالتأكيد أشعر بالسعادة لهذه التجربة التي أتاحت لي مجال تقديم البرامج التلفزيونية ببرنامج مختلف عن البرامج الحوارية الاخرى، وهو ما نجحت فيه الى حدّ بعيد.